فصل: (فَصْلٌ): (تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي كُلِّ حَقٍّ آدَمِيٍّ مُتَعَلِّقٍ بِمَالٍ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [إذنُ الْوَلِيِّ لِمُوَلِّيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بالاتجارِ في مالِهِ]:

(لِوَلِيٍّ لَهُ) حُرٌّ (مُمَيِّزٌ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، (وَلِسَيِّدِهِ)؛ أَيْ: الْقِنِّ الْمُمَيِّزِ أَوْ الْبَالِغِ (أَنْ يَأْذَنَ لَهُ)؛ أَيْ: لِمُوَلِّيهِ أَوْ قِنِّهِ (أَنْ يَتَّجِرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} وَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ؛ فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَسَيِّدِهِ؛ كَالْعَبْدِ الْكَبِيرِ وَالسَّفِيهِ. (وَيَتَّجِهُ مَعَ تَعَدُّدِ) سَيِّدٍ لِقِنٍّ يُرِيدُ أَنْ يَتَّجِرَ لَا بُدَّ مِنْ (إذْنِ الْجَمِيعِ) صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي شَغْلِهِ نَفْسِهِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ؛ فَاعْتُبِرَ الْإِذْنُ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَإِلَّا كَانَ غَاصِبًا، وَمِثْلُهُ حُرٌّ عَلَيْهِ وَصِيَّانِ فَأَكْثَرُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) كَذَا يَصِحُّ أَنْ يَأْذَنَ الْوَلِيُّ وَالسَّيِّدُ الْمُمَيِّزُ (أَنْ يَدَّعِيَ) عَلَى خَصْمِهِ أَوْ خَصْمِ وَلِيِّهِ أَوْ سَيِّدِهِ، (وَ) أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ (يُقِيمَ بَيِّنَةً) عَلَى الْخَصْمِ، (وَ) أَنْ (يُحَلِّفَ) الْخَصْمَ إذَا أَنْكَرَ (وَنَحْوُهُ)؛ كَمُخَالَعَةٍ وَمُقَاسَمَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَصَرُّفَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ؛ أَشْبَهَتْ التِّجَارَةَ، (وَيَتَقَيَّدُ فَكُّ) حَجْرٍ عَلَى مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ حُرٍّ وَقِنٍّ مُمَيِّزٍ (حَصَلَ بِالْإِذْنِ بِقَدْرٍ وَنَوْعٍ عَيْنًا) لَهُ؛ بِأَنْ قَالَ لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ سَيِّدُهُ: اتَّجَرَ فِي مِائَةِ دِينَارٍ فَمَا دُونَ، فَلَا يَتَجَاوَزُهَا، أَوْ قَالَ لَهُ: اتَّجَرَ فِي الْبَرِّ فَقَطْ؛ فَلَا يَتَعَدَّاهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ مِنْ جِهَةِ آدَمِيٍّ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ؛ (كَوَكِيلٍ وَوَصِيٍّ فِي نَوْعٍ) مِنْ الْمُتَصَرِّفَاتِ؛ فَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ؛ كَمَنْ وُكِّلَ أَوْ وُصِّيَ إلَيْهِ فِي (تَزْوِيجٍ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ)؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَمَنْ وَكَّلَهُ رَشِيدٌ فِي بَيْعِ عَيْنٍ مِنْ مَالٍ؛ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بَيْعُ غَيْرِهَا مِنْ مِلْكِهِ. (وَيَسْتَفِيدُ وَكِيلٌ) فِي بَيْعِ عَيْنٍ أَوْ إجَارَتُهَا وَنَحْوِهِ (الْعَقْدَ الْأَوَّلَ فَقَطْ)، فَإِذَا عَادَتْ الْعَيْنُ لِمِلْكِ الْمُوَكِّلِ ثَانِيًا؛ لَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا بِلَا إذْنٍ مُتَجَدِّدٍ، (إلَّا إنْ رَدَّ) الْمَبِيعَ وَنَحْوَهُ (عَلَيْهِ لِفَسْخٍ بِنَحْوِ عَيْبٍ وَخِيَارٍ، فَيَبِيعُهُ ثَانِيًا)؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَفْهُومِ ظَاهِرِ الْمُنْتَهَى فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ (وَمَأْذُونٌ لَهُ) فِي التِّجَارَةِ مِنْ حُرٍّ وَقِنٍّ مُمَيِّزٍ (فِي بَيْعِ نَسِيئَةٍ وَغَيْرِهِ) كَبَعُوضٍ؛ (كَمُضَارٍّ)، فَيَصِحُّ مَعَ الْإِطْلَاقِ بَيْعُهُ نَسِيئَةً وَغَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ النَّمَاءُ (عَلَى مَا يَأْتِي) تَفْصِيلُهُ. (وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَ) مُمَيِّزٌ أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حُرٌّ أَوْ قِنٌّ (نَفْسَهُ)؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِإِذْنٍ؛ كَتَزْوِيجِهِ وَبَيْعِ نَفْسِهِ. (وَلَوْ أَذِنَ) الْوَلِيُّ أَوْ السَّيِّدُ (لَهُ)؛ أَيْ: الْمُمَيِّزِ أَوْ الْعَبْدِ (فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ)؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ (وَلَا أَنْ يُسَافِرَ أَوْ يَتَوَكَّلَ) لِغَيْرِهِ (فِي مَالٍ، وَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ وَلِيُّهُ أَوْ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ)، بَلْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُهُ عَنْ مَقْصُودِ التِّجَارَةِ، وَفِي إيجَارِ عَبِيدِهِ وَبَهَائِمِهِ خِلَافٌ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ الصَّوَابُ الْجَوَازُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً. (وَإِنْ وُكِّلَ) مَأْذُونٌ لَهُ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ؛ (فَكَوَكِيلٍ) يَصِحُّ فِيمَا يُعْجِزُهُ وَفِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ فَقَطْ، دُونَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنٍ. (وَمَتَى عَزَلَ سَيِّدٌ قِنَّهُ)؛ بِأَنْ مَنَعَهُ مِنْ التِّجَارَةِ (انْعَزَلَ وَكِيلُهُ)؛ أَيْ: وَكِيلُ الْقِنِّ كَانْعِزَالِ (وَكِيلِ وَكِيلٍ) بِعَزْلِهِ، (وَ) كَانْعِزَالِ وَكِيلِ (مُضَارِبٍ) بِفَسْخِ رَبِّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، وَتَوْكِيلُهُ فَرْعُ إذْنِهِ، فَإِذَا بَطَلَ الْإِذْنُ بَطَلَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ، (لَا كَوَكِيلِ صَبِيٍّ) أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِهِ، وَوَكَّلَ، ثُمَّ مَنَعَهُ وَلِيُّهُ مِنْ التِّجَارَةِ؛ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ، (وَ) لَا (مُكَاتَبٍ) أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِ، فَوَكَّلَ فِيهِ، ثُمَّ مَنَعَهُ سَيِّدُهُ؛ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ، (وَ) لَا (كَمُرْتَهِنٍ أَذِنَ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِ) رَهْنٍ، فَوَكَّلَ فِيهِ الرَّاهِنُ؛ ثُمَّ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ إذْنِهِ؛ فَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُ الرَّاهِنِ؛ (لِأَنَّ كُلًّا) مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ (مُتَصَرِّفٌ) لِنَفْسِهِ (فِي مَالِ نَفْسِهِ)؛ فَلَمْ يَنْعَزِلْ وَكِيلُهُ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ؛ فَلِلْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ لَا يَتَصَرَّفُ الْوَكِيلُ فِي حَالِ الْمَنْعِ كَمُوَكِّلِهِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا)؛ أَيْ: عَدَمُ عَزْلِ وَكِيلِ الْمُكَاتَبِ (إذَا وُكِّلَ مُكَاتَبٌ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ مِنْ نَحْوِ قَرْضٍ وَمُحَابَاةٍ)؛ كَتَزْوِيجِ وَبَيْعِ نَسَاءٍ وَإِقْرَارٍ عَلَيْهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ أَنْ) (يَشْتَرِيَ) قِنٌّ مَأْذُونٌ فِي تِجَارَةٍ (مَنْ)؛ أَيْ: قِنٌّ (يَعْتِقُ عَلَى مَالِكِهِ)؛ أَيْ: مَالِكِ الْمُشْتَرَى (لِرَحِمٍ)؛ كَأَخِي سَيِّدِهِ (أَوْ قَوْلٍ)؛ أَيْ: تَعْلِيقٍ؛ كَقَوْلِهِ: إنْ مَلَكْت عَبْدَ زَيْدٍ فَهُوَ حُرٌّ، (أَوْ)، أَيْ: وَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَأْذُونُ لَهُ (زَوْجًا لَهُ)؛ أَيْ: لِسَيِّدِهِ رَجُلَانِ كَانَ أَوْ امْرَأَةٌ وَيَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ؛ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ أَوْ بَعْضَهُ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ. و(لَا) يَصِحُّ أَنَّ يَشْتَرِيَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ (مِنْ مَالِكِهِ) شَيْئًا، (وَلَا أَنْ يَبِيعَهُ)؛ أَيْ: الْعَبْدُ لِمَالِكِهِ، وَلَا يُسَافِرُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ فِي رَقَبَتِهِ وَمَالَهُ أَقْوَى مِنْ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَتَنَاوَلُ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ. (وَمَنْ رَآهُ سَيِّدُهُ أَوْ وَلِيُّهُ يَتَّجِرُ، فَلَمْ يَنْهَهُ؛ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا)؛ كَتَزْوِيجِهِ وَبَيْعِهِ مَا لَهُ؛ لِافْتِقَارِ التَّصَرُّفِ إلَى الْإِذْنِ؛ فَلَا يَقُومُ السُّكُوتُ مَقَامَهُ؛ كَتَصَرُّفِ أَحَدِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ فِي الرَّهْنِ مَعَ سُكُوتِ الْآخَرِ، وَكَتَصَرُّفِ الْأَجْنَبِيِّ؛ (فَيَحْرُمُ عَلَى عَالِمٍ بِذَلِكَ)؛ أَيْ: بِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ (مُعَامَلَتُهُ)؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ؛ كَالسَّفِيهِ. (وَلَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُهُ)؛ أَيْ: غَيْرِ الْمَأْذُونِ (بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ)، بَلْ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ كَمَا يَأْتِي، (وَيَتَعَلَّقُ) جَمِيعُ (دَيْنِ) قِنٍّ (مَأْذُونٍ لَهُ)، وَكَذَا مَا اقْتَرَضَهُ وَنَحْوُهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (بِذِمَّةِ سَيِّدٍ)؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ لِسَيِّدِهِ، وَلِهَذَا لَهُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، وَإِمْضَاءُ بَيْعٍ خِيَارٍ لَهُ فَسْخُهُ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِيَدِ الْمَأْذُونِ أَوَّلًا، وَقَوْلُهُ (مُطْلَقًا)؛ أَيْ: سَوَاءٌ اسْتَدَانَ لِلتِّجَارَةِ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ أَوْ غَيْرُهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ غَرَّ النَّاسَ بِإِذْنِهِ لَهُ. (وَأَمَّا أَرْشُ جِنَايَتِهِ)؛ أَيْ: الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ (وَقِيمَةُ مَا أَتْلَفَ)؛ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ (بِرَقَبَتِهِ؛ كَدَيْنِ) عَبْدٍ (غَيْرِ مَأْذُونٍ) لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ بِأَنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ أَوْ اقْتَرَضَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَتَلِفَ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ اقْتَرَضَهُ بِيَدِهِ أَوْ يَدِ سَيِّدِهِ؛ فَيَفْدِيهِ سَيِّدُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ الدَّيْنِ أَوْ قِيمَتِهِ، أَوْ بَيْعِهِ وَيُعْطِيه أَوْ يُسَلِّمُهُ لِرَبِّ الْجِنَايَةِ أَوْ الدَّيْنِ؛ لِفَسَادِ تَصَرُّفِهِ، وَأَمَّا مَا قَبَضَهُ الْمُمَيِّزُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ وَأَتْلَفَهُ، أَوْ تَلِفَ بِيَدِهِ؛ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ. (وَإِنْ أَعْتَقَ) رَقِيقٌ تَعَلَّقَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ بِرَقَبَتِهِ؛ (لَزِمَ سَيِّدَهُ الْأَقَلُّ) مِنْ الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، (خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُنْتَهَى ) حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ بِالْأَقَلِّ، فَيُوهِمُ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ يُتَّبَعُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مُرَادُهُ الْأَقَلُّ، و(هَذَا) التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ (إنْ أَتْلَفَ) الْقِنُّ غَيْرُ الْمَأْذُونِ (مَا اسْتَدَانَهُ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتْلَفْ (أَخَذَ)؛ أَيْ: أَخَذَهُ مَالِكُهُ (حَيْثُ أَمْكَنَ) أَخْذُهُ لَهُ؛ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ. (وَمَتَى اشْتَرَاهُ)؛ أَيْ: الْعَبْدُ (رَبُّ دَيْنٍ تَعَلَّقَ) دَيْنُهُ (بِرَقَبَتِهِ)؛ أَيْ: الْعَبْدِ (تَحَوَّلَ) الدَّيْنُ الْمُتَعَلِّقُ بِرَقَبَتِهِ (إلَى ثَمَنِهِ)؛ أَيْ: ثَمَنِ الْعَبْدِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، (فَمَعَ تَسَاوٍ)؛ أَيْ: بِأَنْ اتَّحَدَ الثَّمَنُ مَعَ الدَّيْنِ جِنْسًا وَصِفَةً وَحُلُولًا وَأَجَلًا وَاحِدًا (فَالْمُقَاصَّةُ)؛ أَيْ: الْمُسَاقَطَةُ، أَوْ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ وَبَاقِي الثَّمَنِ لِبَائِعٍ (وَ) مَعَ (زِيَادَةِ ثَمَنٍ يَرْجِعُ) الْبَائِعُ (عَلَى رَبِّ دَيْنٍ) بِالزَّائِدِ، (وَ) مَعَ (نَقْصِ) ثَمَنٍ؛ (فَلَا رُجُوعَ لِرَبِّ دَيْنٍ) عَلَى بَائِعٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وَ) إنْ اشْتَرَاهُ رَبُّ الدَّيْنِ (بِعَرْضٍ)؛ فَيَتَحَوَّلُ الدَّيْنُ الَّذِي بِرَقَبَتِهِ إلَى (الْعِوَضِ) أَيْ عِوَضِ الْعَرْضِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ فَيَقُومُ الْعَرْضُ يَوْمَ الشِّرَاءِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ رَبُّ الدَّيْنِ قَدْرَ حَقِّهِ، فَمَعَ زِيَادَةٍ هِيَ لِبَائِعٍ، وَمَعَ نَقْصٍ؛ فَلَا رُجُوعَ لِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى أَحَدٍ، وَمَعَ تَسَاوٍ يَأْخُذُ ذَلِكَ الْعَرْضَ أَوْ قِيمَتَهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ تَعَلَّقَ) الدَّيْنُ (بِذِمَّتِهِ)؛ أَيْ: الْعَبْدِ؛ (كَإِقْرَارِهِ بِمَالٍ)؛ أَيْ: بِأَنْ أَقَرَّ بِهِ مَأْذُونٌ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهُ، فَمَلَكَهُ رَبُّ الدَّيْنِ؛ سَقَطَ الدَّيْنُ (عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ) مُفَصَّلًا، (أَوْ غَرَّ) الْعَبْدَ (فِي نِكَاحٍ بِأَمَةٍ)؛ بِأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَبَانَتْ أَمَةً بَعْدَ الدُّخُولِ؛ تَعَلَّقَ الْمَهْرُ بِذِمَّتِهِ؛ لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ؛ لِأَنَّهَا وَطِئَهَا مُعْتَقِدٌ الْحُرِّيَّةَ يَفْدِيه الْعَبْدُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ؛ لِتَعَلُّقِ الْفِدَاءِ بِذِمَّتِهِ، وَلِلْعَبْدِ الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، فَلَوْ كَانَ الْغَارُّ سَيِّدَ الْأَمَةِ فَمِلْكُ الْعَبْدِ بِعِوَضٍ أَوَّلًا؛ سَقَطَ الْمَهْرُ وَالْفِدَاءُ، أَوْ كَانَ الْغَارُّ مَنْ اسْتَدَانَ مِنْهُ الْعَبْدُ الْمَهْرَ وَالْفِدَاءَ، وَأَدَّاهُ، (فَمَلَكَهُ) رَبُّ الدَّيْنِ (بِعِوَضٍ)؛ أَيْ: بِشِرَاءٍ (أَوْ) مَلَكَهُ (لَا) بِعِوَضٍ؛ كَهِبَةٍ؛ سَقَطَ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الدَّيْنُ بِذِمَّةِ عَبْدِهِ، (أَوْ) مَلَكَ رَبُّ الدَّيْنِ (مَنْ تَعَلَّقَ) دِينُهُ (بِرَقَبَتِهِ)، وَكَانَ مِلْكُهُ لَهُ (بِلَا عِوَضٍ)؛ بِأَنْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ؛ (سَقَطَ) الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلرَّقَبَةِ، يَتَحَوَّلُ الدَّيْنُ إلَيْهِ. (وَيَصِحُّ إقْرَارُ مَأْذُونٍ) لَهُ- (وَلَوْ صَغِيرٌ) مُمَيِّزًا- فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ (فِيهِ فَقَطْ)؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِقْرَارِ الصِّحَّةُ فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ لِحَقِّ السَّيِّدِ، فَوَجَبَ بَقَاؤُهُ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ (وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْمَأْذُونِ لَهُ (سَيِّدُهُ)، أَوْ مَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ (وَبِيَدِهِ)؛ أَيْ: الْقِنِّ (مَالٌ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فَأَقَرَّ) الْمَأْذُونُ (بِهِ)؛ أَيْ: بِمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ الْمُعَيَّنِ؛ (صَحَّ) إقْرَارُهُ؛ لِزَوَالِ الْحَجْرِ الْمَانِعِ مِنْ الْإِقْرَارِ، وَكَذَا حُكْمُ حُرٍّ مُمَيِّزٍ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ. (وَيَبْطُلُ إذْنُ) سَيِّدٍ لِرَقِيقِهِ فِي تِجَارَةٍ (بِحَجْرٍ عَلَى سَيِّدِهِ وَمَوْتِهِ وَجُنُونِهِ الْمُطْبَقِ)- بِفَتْحِ الْبَاءِ-؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ، فَتَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهُ، وَكَبَاقِي الْعُقُودِ الْجَائِزَاتِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) يَبْطُلُ الْإِذْنُ أَيْضًا (بِحَجْرٍ) عَلَى (مَأْذُونٍ) لَهُ (لِسَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ) مُطْبَقٍ، (لَا بِغَيْرِ مُطْبَقٍ؛ لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهِ، وَهَذَا) الِاتِّجَاهُ (يَنْفَعُك فِي غَيْرِ هَذَا) الْمَوْضِعِ فَاحْفَظْهُ وَعُضَّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ، فَإِنَّهُ مُهِمٌّ جِدًّا.
(وَ) لَا يَبْطُلُ إذْنُهُ لَهُ (بِإِبَاقٍ) يَحْصُلُ مِنْ الْمَأْذُونِ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَ) لَا (أَسْرٍ وَتَدْبِيرٍ وَإِيلَادٍ وَكِتَابَةٍ وَحُرِّيَّةٍ وَحَبْسِ مَدِينٍ أَوْ غَصْبٍ) الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ فَلَا تَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهُ (وَتَصِحُّ مُعَامَلَةُ قِنٍّ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ خِلَافًا لِلنِّهَايَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ) وَأَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ؛ فَلَا تَصِحُّ مُعَامَلَتُهُ، نَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّ مَنْ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ فَمَنْ بَاعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ. (وَلَا يُعَامَلُ صَغِيرٌ) لَمْ يُعْلَمْ الْإِذْنُ لَهُ (إلَّا فِي مِثْلِ مَا يُعَامِلُهُ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ مَأْذُونٍ لَهُ بِدَرَاهِمَ وَكِسْوَةٍ وَنَحْوِهِمَا)؛ كَفَرَسٍ وَحِمَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ؛ كَغَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ. (وَلَهُ)؛ أَيْ: الرَّقِيقِ الْمَأْذُونِ لَهُ (هَدِيَّةٌ مَأْكُولٌ وَإِعَارَةُ دَابَّةٍ وَعَمَلُ دَعْوَةٍ وَنَحْوُهُ)؛ كَصَدَقَةٍ بِيَسِيرٍ وَإِعَارَةِ ثَوْبِهِ (بِلَا إسْرَافٍ) فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيدٍ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَحَضَرَ دَعْوَتَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو حُذَيْفَةَ، فَأَمَّهُمْ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ، عَبْدٌ رَوَاهُ صَالِحٌ فِي مَسَائِلِهِ، وَلِجَرَيَانِ عَادَةِ التُّجَّارِ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْإِذْنِ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَبِلَا (مَنْعِ سَيِّدٍ) لَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ مَنَعَهُ فَلَا. وَلِرَقِيقٍ (غَيْرِ مَأْذُونٍ) لَهُ فِي تِجَارَةٍ (أَنْ يَتَصَدَّقَ قُوَّتَهُ بِمَا لَا يَضُرُّ بِهِ؛ كَرَغِيفٍ) وَفَلْسٍ وَبَيْضَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ. (وَلِزَوْجَةٍ وَكُلِّ مُتَصَرِّفٍ فِي بَيْتٍ) كَأَجِيرٍ وَخَازِنٍ، (وَيَتَّجِهُ غَيْرُ وَلِيِّ يَتِيمٍ) وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ وَنَاظِرِ وَقْفٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَنْمِيَةُ مَالِ مِنْ ذُكِرَ، فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ؛ (الصَّدَقَةُ مِنْهُ)؛ أَيْ: الْبَيْتُ (بِلَا إذْنِ صَاحِبِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ)؛ أَيْ: الرَّغِيفِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ؛ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُ مَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمْ مِنْ أَجْرِ بَعْضٍ شَيْئًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ إذْنًا، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ السَّمَاحُ وَطَيِّبُ النَّفْسِ بِهِ، (إلَّا أَنْ يَمْنَعَ) رَبُّ الْبَيْتِ مِنْهُ، (أَوْ يَضْطَرِبَ عُرْفٌ)؛ بِأَنْ يَكُونَ عَادَةُ الْبَعْضِ الْإِعْطَاءَ وَعَادَةُ آخَرِينَ الْمَنْعَ، (أَوْ يَكُونَ) رَبُّ الْبَيْتِ (بَخِيلًا، وَيُشَكُّ فِي رِضَاهُ فِيهَا)؛ أَيْ: فِي اضْطِرَابِ الْعُرْفِ وَالْبُخْلِ؛ (فَيَحْرُمُ) الْإِعْطَاءُ مِنْ مَالِهِ بِلَا إذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ رِضَاهُ إذَنْ؛ (كَزَوْجَةِ أَطْعَمَتْ بِغَرَضٍ، وَلَمْ تَعْلَمْ رِضَاهُ)؛ أَيْ: الزَّوْجِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الصَّدَقَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا، لَا مِمَّا هُوَ مَفْرُوضٌ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُهُ بِقَبْضِهَا. (وَمَنْ وَجَدَ بِمَا اشْتَرَاهُ مِنْ قِنٍّ عَيْبًا، فَقَالَ) الْقِنُّ: (أَنَا غَيْرُ مَأْذُونٍ لِي) فِي التِّجَارَةِ؛ (لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ. (وَلَوْ صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ) فِي عَدَمِ الْإِذْنِ. نَقَلَ مُهَنَّا فِيمَنْ قَدِمَ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ، فَاشْتَرَاهُ النَّاسُ مِنْهُ، فَقَالَ: أَنَا غَيْرُ مَأْذُونٍ لِي فِي التِّجَارَةِ قَالَ: هُوَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهِ مَأْذُونًا لَهُ أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ، وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ، وَالْخَصْمُ يَدَّعِي صِحَّتَهُ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ فَائِدَتَهُ) رَدُّ الْمَبِيعِ عَلَى الْقِنِّ وَأَخْذُ الثَّمَنِ مِنْهُ (أَوْ إمْسَاكُهُ)؛ أَيْ؛ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ، و(لَا) يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي (أَخْذُ أَرْشٍ) مَعَ الْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّ الْقِنَّ لَمَّا صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ عَلَى عَدَمِ الْإِذْنِ؛ صَارَ مَمْنُوعًا مِنْ التَّصَرُّفِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.(بَابُ الْوَكَالَةِ):

الْوَكَالَةُ:- بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا- التَّفْوِيضُ، يَقُولُ وَكَّلَهُ؛ أَيْ: فَوَّضَ إلَيْهِ، وَكَّلْت أَمْرِي إلَى فُلَانٍ؛ أَيْ: فَوَّضْت إلَيْهِ، وَاكْتَفَيْت بِهِ. وَقَدْ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْحِفْظُ، وَمِنْهُ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ؛ أَيْ: الْحَفِيظُ {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}؛ أَيْ: حَفِيظٍ. وَشَرْعًا (اسْتِنَابَةُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ (مِثْلَهُ)؛ أَيْ: جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَهُوَ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ فِعْلُ مَا وُكِّلَ فِيهِ، فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ ذَكَرَيْنِ كَانَا أَوْ أُنْثَيَيْنِ. أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ (فِي الْحَيَاةِ)، احْتِرَازًا عَنْ الْوَصِيَّةِ (فِيمَا)؛ أَيْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَعَقْدٍ وَفَسْخٍ وَقَبْضٍ (تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ) مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. وَهِيَ جَائِزَةٌ إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}؛ أَيْ: الزَّكَاةُ، فَجُوِّزَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا وَهُوَ بِالنِّيَابَةِ عَنْ الْمُسْتَحَقِّينَ وقَوْله تَعَالَى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} وَقَوْلُهُ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} الْآيَةَ، وَلِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ وَكَّلَ عُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ فِي شِرَاءِ الشَّاةِ.
قَالَ عُرْوَةُ: «عَرَضَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَبٌ فَأَعْطَانِي دِينَارًا، فَقَالَ يَا عُرْوَةُ: ائْتِ الْجَلَبَ، فَاشْتَرِ لَنَا شَاةً قَالَ: فَأَتَيْت الْجَلَبَ، فَسَاوَمْت صَاحِبَهُ، فَاشْتَرَيْت شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ، فَجِئْت أَسُوقُهُمَا أَوْ أَقُودُهُمَا، فَلَقِيَنِي رَجُلٌ بِالدِّينَارِ وَالشَّاةِ، فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذَا دِينَارُكُمْ وَهَذِهِ شَاتُكُمْ» الْحَدِيثَ «قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ». «وَوَكَّلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فِي تَزَوُّجِ أُمِّ حَبِيبَةَ وَأَبَا رَافِعٍ فِي قَبُولِ نِكَاحِ مَيْمُونَةَ وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا»؛ إذْ لَا يُمْكِنُ كُلَّ أَحَدٍ فِعْلُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ. (وَتَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (مُطْلَقَةً) وَمُنَجَّزَةً (وَمُؤَقَّتَةً بِمُدَّةٍ)؛ كَأَنْتَ وَكِيلِي شَهْرًا أَوْ سَنَةً، (فَلَا يَتَصَرَّفُ) الْوَكِيلُ؛ أَيْ: لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ (قَبْلَهَا)؛ أَيْ: الْمُدَّةِ (وَلَا بَعْدَهَا)؛ أَيْ: الْمُدَّةِ الَّتِي ضَرَبَهَا لَهُ الْمُوَكِّلُ.
(وَ) تَصِحُّ (مُعَلَّقَةً) بِشَرْطٍ، نَصًّا كَوَصِيَّةٍ وَإِبَاحَةِ أَكْلٍ وَقَضَاءٍ وَإِمَارَةٍ؛ (كَقَوْلِهِ: إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ) فَافْعَلْ كَذَا، (أَوْ) إذَا [جَاءَ] (الشِّتَاءُ فَاشْتَرِ لَنَا كَذَا) أَوْ إذَا طَلَب مِنْك أَهْلِي شَيْئًا فَادْفَعْهُ إلَيْهِمْ، أَوْ إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي كَذَا، أَوْ فَأَنْتَ وَكِيلِي وَنَحْوُهُ.
(وَ) تَصِحُّ (بِكُلِّ قَوْلٍ) يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ، نَصًّا، نَحْوَ افْعَلْ كَذَا، أَوْ أَذِنْتُ لَك فِيهِ، أَوْ بِعْهُ، أَوْ اعْتِقْهُ، أَوْ كَاتِبْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَأَقَمْتُكَ مَقَامِي، أَوْ جَعَلْتُك نَائِبًا عَنِّي؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ دَلَّ عَلَى الْإِذْنِ، فَصَحَّ كَلَفْظِ الْوَكَالَةِ الصَّرِيحِ. (أَوْ) أَيْ: وَتَصِحُّ (بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَى إذْنٍ).
قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَدَلَّ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى انْعِقَادِهَا بِفِعْلٍ دَالٍّ؛ كَبَيْعٍ؛ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ- يَعْنِي الْمُوَفَّقَ- فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ وَكَالْقَبُولِ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَيَتَخَرَّجُ انْعِقَادُهَا بِالْخَطِّ أَوْ الْكِتَابَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَصْحَابُ، وَلَعَلَّهُ دَاخِلٌ بِقَوْلِهِ: بِفِعْلٍ دَلَّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْمُنْتَهَى.
(وَ) يَصِحُّ (قَبُولُ) وَكَالَةٍ (بِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) مِنْ الْوَكِيلِ (دَلَّ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ وُكَلَاءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ سِوَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَلِأَنَّهُ أَذِنَ فِي التَّصَرُّفِ، فَجَازَ قَبُولُهُ بِالْفِعْلِ؛ كَأَكْلِ الطَّعَامِ، (وَلَوْ) كَانَ الْقَبُولُ (مُتَرَاخِيًا) عَنْ الْإِذْنِ، فَلَوْ بَلَغَهُ أَنَّ زَيْدًا وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ سِلْعَتِهِ مُنْذُ شَهْرٍ، فَقَبِلَ، أَوْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ قَبُولَ وُكَلَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِفِعْلِهِمْ، وَكَانَ مُتَرَاخِيًا، وَلِأَنَّ الْإِذْنَ بَاقٍ، مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ. (وَكَذَا)؛ أَيْ: كَالْوَكَالَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ (كُلُّ عَقْدٍ جَائِزٍ كَمُسَاقَاةٍ). وَمُزَارَعَةٍ وَشَرِكَةٍ فِي أَنَّ الْقَبُولَ يَصِحُّ بِالْفِعْلِ فَوْرًا وَمُتَرَاخِيًا؛ لِمَا سَبَقَ. (وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ وَكَالَةٍ (تَعْيِينُ وَكِيلٍ وَمُوَكَّلٍ فِيهِ)؛ كَأَنْ يَقُولَ: وَكَّلْت فُلَانًا فِي كَذَا، (فَلَا يَصِحُّ) أَنْ يَقُولَ (وَكَّلْت أَحَدَ هَذَيْنِ)؛ لِلْجَهَالَةِ، (أَوْ) وَكَّلْتُك (فِي شِرَاءِ أَحَدِ هَذَيْنِ)؛ لِلْجَهَالَةِ أَيْضًا.
(وَ) قَالَ (فِي الِانْتِصَار: لَوْ وَكَّلَ زَيْدًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ)؛ لَمْ تَصِحَّ؛ لِوُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْعِلْمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَقْصُودِ إمَّا بِنِسْبَةٍ أَوْ إشَارَةٍ إلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَيِّنُهُ. (أَوْ لَمْ يُعَرِّفْ الْوَكِيلُ مُوَكِّلَهُ)؛ بِأَنْ قِيلَ لَهُ وَكَّلَك زَيْدٌ وَلَمْ يَنْسِبْ إلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مِنْ وَصْفِهِ أَوْ شُهْرَتِهِ مَا يُمَيِّزُهُ؛ (لَمْ تَصِحَّ)؛ لِلْجَهَالَةِ (انْتَهَى) كَلَامُ الِانْتِصَارِ. (وَفِيهِ تَأَمُّلٌ)؛ لِشُمُولِ كَلَامِهِ مَنْ لَهُ تَمْيِيزٌ بِصِفَةٍ أَوْ شُهْرَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يَتَمَيَّزَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْهَا، فَأَمَّا إذَا ذَكَرَهَا فَالْوَكَالَةُ صَحِيحَةٌ. (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي مُخَاصَمَةِ غُرَمَائِهِ)؛ أَيْ: الْمُوَكِّلِ، صَحَّ التَّوْكِيلُ (- وَإِنْ جَهِلَهُمْ مُوَكِّلٌ وَوَكِيلٌ-) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ عَيْنِ مَا وُكِّلَ بِهِ. (وَيَتَّجِهُ الصِّحَّةُ) فِي قَوْلِ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ: (أَعْتِقْ أَحَدَ عَبْدِي أَوْ طَلِّقْ إحْدَى امْرَأَتَيَّ)؛ فَقَالَ الْوَكِيلُ: أَحَدُهُمَا حُرٌّ أَوْ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ طَالِقٌ عَتَقَ فِي الْأُولَى، وَيَخْرُجُ بِقُرْعَةٍ، وَطَلُقَتْ فِي الثَّانِيَةِ، وَتَخْرُجُ بِقُرْعَةٍ أَيْضًا، (فَإِنْ) عَيَّنَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِبْهَامِ، (ثُمَّ أَوْقَعَ) الْوَكِيلُ الْعِتْقَ أَوْ الطَّلَاقَ؛ (احْتَمَلَ) الْوُقُوعَ عَلَى مَنْ عَيَّنَ، وَاحْتَمَلَ الْإِخْرَاجَ بِقُرْعَةٍ؛ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ، أَوْ أَوْقَعَ عَلَيْهِ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَلَا مَنْوِيَّةٍ أُخْرِجَتْ الْمُطَلَّقَةُ بِقُرْعَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ؛ كَمُعَيَّنَةٍ مَنْسِيَّةٍ، وَكَقَوْلِهِ عَنْ طَائِرٍ إنْ كَانَ غُرَابًا فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، وَإِلَّا يَكُنْ غُرَابًا فَعَمْرَةُ طَالِقٌ وَجَهِلَ؛ فَإِنَّهُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَتَطْلُقُ مَنْ أَخْرَجَتْهَا الْقُرْعَةُ؛ لِأَنَّهُ سَبِيلٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْهَا عَيْنًا وَمُحَافَظَةً عَلَى الْعِتْقِ وَصِيَانَةً لِلْفُرُوجِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ التَّصَرُّفُ بِالْوَكَالَةِ (عِلْمُهُ)؛ أَيْ: الْوَكِيلِ (بِهَا)؛ أَيْ: الْوَكَالَةِ، فَلَوْ بَاعَ إنْسَانٌ عَبْدَ زَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ فُضُولِيٌّ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنْ سَيِّدَهُ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ. (وَلَهُ)؛ أَيْ: لِلْوَكِيلِ (التَّصَرُّفُ) فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ (بِخَبَرِ مَنْ ظَنَّ صِدْقَهُ) بِتَوْكِيلِ زَيْدٍ مَثَلًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ صِدْقُهُ؛ كَقَبُولِ هَدِيَّةٍ وَإِذْنِ غُلَامٍ فِي دُخُولٍ. (وَيَضْمَنُ) الْوَكِيلُ مَا تَرَتَّبَ مِنْ تَصَرُّفِهِ إنْ أَنْكَرَ زَيْدٌ التَّوْكِيلَ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا يَرْجِعُ) الْوَكِيلُ (عَلَى مُخْبِرِهِ) بِالْوَكَالَةِ؛ (لِتَقْصِيرِهِ)؛ أَيْ: الْوَكِيلِ بَعْدَ تَفَحُّصِهِ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّ لِلْوَكِيلِ الرُّجُوعَ عَلَى مُخْبِرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ. (وَلَوْ شَهِدَ بِهَا)؛ أَيْ: الْوَكَالَةِ (اثْنَانِ)، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ مَحَلَّ الشَّهَادَةِ لِاثْنَيْنِ بِالْوَكَالَةِ (مَعَ غَيْبَةِ مُوَكِّلٍ) عَنْ بَلَدِ الْوَكِيلِ (مَسَافَةَ قَصْرٍ)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا: عَزَلَهُ) وَالْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَحْكُمْ بِهَا)؛ أَيْ: الْوَكَالَةِ حَاكِمٌ قَبْلَ قَوْلِهِ عَزَلَهُ؛ (لَمْ تَثْبُتْ) الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ، (وَلَوْ أَعَادَ) الْقَائِلُ أَنَّهُ عَزَلَهُ، (أَوْ قَالَهُ وَاحِدٌ غَيْرُهُمَا) قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ؛ (لَمْ يَقْدَحْ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَمَّتْ بِهِ؛ كَمَا تَمَّتْ بِالتَّوْكِيلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ الْعَزْلُ، (وَإِنْ قَالَاهُ)؛ أَيْ: قَالَ الشَّاهِدَانِ عَزَلَهُ؛ (قَدَحَ) ذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ؛ لِثُبُوتِهَا بِشَهَادَتِهِمَا فَعَزْلُهُ كَذَلِكَ. (وَإِنْ شَهِدَ لَهُ) أَنْ فُلَانًا الْغَائِبَ وَكَّلَهُ (بِهَا، فَقَالَ) الْوَكِيلُ: (مَا عَلِمْتهَا)؛ أَيْ: الْوَكَالَةَ وَأَنَا أَتَصَرَّفُ عَنْهُ؛ (ثَبَتَتْ) الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ أَعْلَمْ إلَى الْآنَ. وَقَبُولُ الْوَكَالَةِ يَجُوزُ مُتَرَاخِيًا، وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِالتَّوَكُّلِ، (لَا) إنْ قَالَ الْوَكِيلُ: (مَا أَعْلَمُ صِدْقَ الشَّاهِدَيْنِ)؛ لَمْ تَثْبُتْ؛ (لِقَدْحِهِ فِيهِمَا)، وَإِنْ قَالَ: مَا عَلِمْت فَقَطْ قِيلَ لَهُ: فَسِّرْ، فَإِنْ فَسَّرَ بِالْأَوَّلِ ثَبَتَتْ وَكَالَتُهُ، وَإِنْ فَسَّرَ بِالثَّانِي؛ لَمْ تَثْبُتْ. (وَإِنْ أَبَى) وَكِيلٌ (قَبُولَهَا)؛ أَيْ: الْوَكَالَةِ بِأَنْ قِيلَ لَهُ فُلَانٌ وَكَّلَك، فَقَالَ لَا أَقْبَلُهَا، (فَكَعَزْلِهِ نَفْسَهُ)؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمْ تَتِمَّ. (وَمَيْلُ) زَيْنِ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالْخَمْسِينَ (مَنْ) (ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ لِزَيْدٍ وَأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا، وَأَقَامَ) الْمُدَّعِي (الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ)؛ أَيْ: بِالْوَكَالَةِ عَنْ زَيْدٍ وَبِالْأَلْفِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي مَجْلِسٍ؛ (أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ) قَوْلُهُ، وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِدَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الدَّيْنَ كَانَتْ قَبْلَ ثُبُوتِ وَكَالَتِهِ؛ فَلَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْوَكَالَةِ، فَلَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهَا عَنْ غَيْرِ دَعْوَى؛ (بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ ثُبُوتِ الْوَكَالَةِ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ، وَهُوَ)؛ أَيْ: مَا قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ (حَسَنٌ).
قَالَ الْقَاضِي: فِي خِلَافِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إنَّهَا تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَالْأَشْبَهُ اعْتِبَارُ تَقَدُّمِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ تَثْبُتْ وَكَالَتُهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ انْتَهَى.
وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ؛ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ؛ كَشَهَادَةِ الْأَبِ عَلَى وَلَدِهِ وَأَوْلَى. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ فِيمَا لَمْ يُوَكَّلْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ شَهِدَ الْوَكِيلُ بِمَا كَانَ وَكِيلًا فِيهِ بَعْدَ عَزْلِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ؛ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ أَيْضًا، سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ خَاصَمَ فِيهِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ لَمْ يُخَاصِمْ؛ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْوَكَالَةِ صَارَ خَصِيمًا فِيهِ، فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيهِ؛ كَمَا لَوْ خَاصَمَ فِيهِ. (وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلٌ فِي شَيْءٍ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ وَنَحْوِهَا (إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ)؛ أَيْ: فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ فِيهِ، فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ سَفِيهٍ فِي نَحْوِ عِتْقِ عَبْدِهِ. (سِوَى) تَوْكِيلِ (أَعْمَى) رَشِيدٍ (وَمُوَكِّلٍ) غَائِبٍ (فِيمَا)؛ أَيْ: شِقْصٍ (لَمْ يَرَهُ)؛ كَمَنْ يُرِيدُ شِرَاءَ عَقَارٍ لَمْ يَرَهُ. وَكَمَنْ وَكَّلَ (عَالِمًا) بِالْمَبِيعِ بَصِيرًا (فِيمَا يَحْتَاجُ لِرُؤْيَةٍ)؛ كَجَوْهَرٍ وَعَقَارٍ، فَيَصِحُّ- وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ- لِأَنَّ مَنْعَهُمَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ لَا لِمَعْنَى فِيمَا يَقْتَضِي مَنْعَ التَّوْكِيلِ. (وَمِثْلُهُ)؛ أَيْ: مِثْلُ التَّوْكِيلِ فِيمَا ذُكِرَ (تَوَكَّلَ) عَنْ غَيْرِهِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِي شَيْءٍ إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، (فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوجِبَ) عَنْ غَيْرِهِ (نِكَاحًا مَنْ لَا يَصِحُّ) مِنْهُ إيجَابُهُ (لِمُوَلِّيَتِهِ) لِنَحْوِ فِسْقٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّاهُ أَصَالَةً، فَلَمْ يَجُزْ بِالنِّيَابَةِ؛ كَالْمَرْأَةِ، (وَلَا يَقْبَلُهُ)؛ أَيْ: النِّكَاحَ (مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ) قَبُولُهُ (لِنَفْسِهِ)؛ كَالْكَافِرِ يَتَوَكَّلُ فِي قَبُولِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ لِمُسْلِمٍ. (وَيَتَّجِهُ فَلَا) يَصِحُّ أَنْ (يَتَوَكَّلَ مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ فِي نِكَاحِ ابْنَته)؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَرْطِ الْوِلَايَةِ اتِّفَاقُ الدِّينَيْنِ إلَّا فِي سَيِّدٍ زَوَّجَ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ لِكَافِرٍ؛ فَيَصِحُّ (مُطْلَقًا)؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ الْكَافِرُ كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ (كَعَكْسِهِ)؛ أَيْ: كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّلَ كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ فِي تَزْوِيجِ ابْنَته؛ (وَلَا) يَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّلَ (كَافِرٌ عَنْ مُسْلِمٍ فِي شِرَاءِ مُصْحَفٍ، وَ) لَا فِي شِرَاءِ (قِنٍّ مُسْلِمٍ، وَ) لَا فِي (مُعَاقَبَتِهِ)؛ أَيْ: مُعَاقَبَةِ الْمُسْلِمِ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (سِوَى قَبُولِ نِكَاحِ نَحْوِ أُخْتِهِ)؛ كَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ وَحَمَاتِهِ (لِأَجْنَبِيٍّ) لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْزِيهِ، لَا لِمَعْنًى فِيهِ يَقْتَضِي مَنْعَ التَّوْكِيلِ (وَ) سِوَى تَوَكُّلِ (حُرٍّ وَاجِدِ الطُّولِ نِكَاحَ أَمَةٍ لِمَنْ تُبَاحُ لَهُ) الْأَمَةُ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ عَادِمِ الطُّولِ خَائِفِ الْعَنَتِ. وَسِوَى تَوَكُّلِ (مَنْ)؛ أَيْ: غَنِيٌّ (حَرُمَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي قَبْضِهَا)؛ أَيْ: الزَّكَاةِ (لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ)؛ كَفَقِيرٍ.
(وَ) سِوَى (طَلَاقِ امْرَأَةٍ نَفْسِهَا وَ) طَلَاقِهَا (غَيْرِهَا)؛ كَضَرَّتِهَا أَوْ غَيْرِهَا (بِوَكَالَةٍ)؛ فَيَصِحُّ فِيهِنَّ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ طَلَاقَ نَفْسِهَا بِجَعْلِهِ إلَيْهَا مَلَكَتْ طَلَاقَ غَيْرِهَا. (وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ كَافِرًا فِيمَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ)؛ أَيْ: الْكَافِرُ فِيهِ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ، وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ (فِي شِرَاءِ خَمْرٍ)، وَلَا عِنَبٍ يُرَادُ لَهُ، (وَ) لَا فِي شِرَاءِ (خِنْزِيرٍ) وَطُنْبُورٍ وَجُنْكٍ وَعُودٍ وَكُلِّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُوَكِّلِ اسْتِعْمَالُهُ وَاِتِّخَاذُهُ؛ كَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى مُوَكِّلِهِ. (وَإِنْ وَكَّلَ) إنْسَانٌ [عَبْدَ غَيْرِهِ]؛ صَحَّ فِيمَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ فِعْلُهُ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ كَالصَّدَقَةِ بِالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ، وَأَمَّا مَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشِّرَاءِ؛ فَلَا (وَلَوْ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ؛ فَيَصِحُّ) إنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ، فَإِذَا أَذِنَ صَارَ كَالْحُرِّ، وَإِذَا جَازَ الشِّرَاءُ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَإِذْ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ غَيْرَهُ مِنْ سَيِّدِهِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ، (وَإِلَّا) يَأْذَنُ لَهُ سَيِّدُهُ؛ (فَلَا) يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ (فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ) كَعَقْدِ (بَيْعٍ) وَإِجَارَةٍ (وَإِيجَابٍ فِي نِكَاحٍ وَقَبُولِهِ. وَيَتَّجِهُ وَعِتْقُ) قِنٍّ لِآخَرَ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، (وَكَذَا)؛ أَيْ: كَالْعَبْدِ (كُلُّ مَحْجُورٍ) عَلَيْهِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ؛ لَا يَتَوَكَّلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِلَا إذْنِهِ إلَّا الصَّغِيرَ؛ فَلَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِي الطَّلَاقِ، وَإِذَا كَانَ يَعْقِلُهُ، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِخِلَافِ نَحْوِ طَلَاقٍ)؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْإِنْشَاءِ، فَجَازَ فِي الْإِزَالَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَرَجْعَةٍ وَصَدَقَةٍ بِنَحْوِ رَغِيفٍ) وَفَلْسٍ وَتَمْرَةٍ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ. (وَلِمُكَاتَبٍ أَنْ يُوَكَّلَ فِي كُلِّ مَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِنَفْسِهِ) مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَشَرِكَةٍ، (وَلَهُ)؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (أَنْ يَتَوَكَّلَ بِجَعْلٍ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ اكْتِسَابِ الْمَالِ، وَلَا يُمْنَعُ الْمُكَاتَبُ مِنْ الِاكْتِسَابِ، (لَا بِدُونِهِ)؛ أَيْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ جَعْلٍ، إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ كَأَعْيَانِ مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُ بَذْلُ مَالِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ (بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) فَإِنْ أَذِنَهُ جَازَ. وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ؛ كَالْقِنِّ، وَكَذَا الْمُبَعَّضُ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَقَعُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَيَصِحُّ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ فِي نَوْبَتِهِ؛ لِعَدَمِ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِالسَّيِّدِ. (وَلَا تَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي بَيْعِ مَا سَيَمْلِكُهُ أَوْ فِي طَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا)؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ حِينَ التَّوْكِيلِ، وَيَصِحُّ إنْ مَلَكْت فُلَانًا فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي عِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى مِلْكِهِ بِخِلَافِ إنْ تَزَوَّجَتْ فُلَانَةُ فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِهَا. (وَيَتَّجِهُ وَلَا تَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي بَيْعِ مَا سَيَمْلِكُهُ) عَقِبَ الْوَكَالَةِ (تَبَعًا) لِلْمَبِيعِ الـ (مَمْلُوكِ) لَهُ وَقْتَ التَّوْكِيلِ؛ كَقَوْلِ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ: (بِعْ هَذَا) الْحَيَوَانَ (وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ)؛ أَيْ: الْحَيَوَانِ مِنْ نِتَاجِهِ، (أَوْ بِعْهُ وَاشْتَرِ بِثَمَنِهِ كَذَا)؛ أَيْ: شِقْصًا مَعْلُومًا، فَأَمَّا قَوْلُ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ: (بِعْ مَا يَحْصُلُ مِنْ نَحْوِ لَبَنِ الْبَهِيمَةِ) كَنِتَاجِهَا وَصُوفِهَا وَشَعْرِهَا؛ (فَلَا يَصِحُّ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ حِينَ التَّوْكِيلِ، (وَ) قَوْلُهُ: (بِعْهُ)؛ أَيْ: اللَّبَنَ وَنَحْوَهُ (ذَا حَصَلٍ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ). وَتَقَدَّمَ أَنَّ تَعْلِيقَ الْوَكَالَةِ صَحِيحٌ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ) (قَالَ لِوَكِيلِ غَائِبٍ) فِي مُطَالَبَةٍ (تَثْبُتُ وَكَالَتُهُ) بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ غَرِيمٍ: (احْلِفْ أَنْ لَك مُطَالَبَتِي)؛ لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهُ. أَوْ قَالَ لِوَكِيلٍ: احْلِفْ (أَنَّهُ مَا عَزَلَك) مُوَكِّلُك؛ (لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهُ)؛ أَيْ: لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى لِلْغَيْرِ، (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ) الْمَطْلُوبُ (عِلْمَهُ)؛ أَيْ: الْعَزْلَ (فَيَحْلِفُ) الْوَكِيلُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ؛ (فَلَا طَلَبَ لَهُ)؛ أَيْ: الْوَكِيلِ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْغَرِيمِ، فَيَمْتَنِعُ الطَّلَبُ (وَلَوْ قَالَ) مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلُ غَائِبٍ (عَنْ دَيْنٍ ثَابِتٍ) فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: (مُوَكِّلُك أَخَذَ حَقَّهُ؛ لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ (بِلَا بَيِّنَةٍ)؛ لِأَنَّهُ مَقَرُّ مُدَّعِي الْوَفَاءِ، (وَلَا يُؤَخَّرُ)؛ أَيْ: لَا يُحْكَمُ عَلَى الْوَكِيلِ بِتَأْخِيرِ طَلَبِهِ حَتَّى يَحْضُرَ مُوَكِّلُهُ (لِيَحْلِفَ مُوَكِّلٌ) أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ، [أَوْ]؛ أَيْ: وَلَا يُؤَخِّرُ لِيَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ (وَيَعْتَرِفُ) بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ لِتَأْخِيرٍ مُتَيَقَّنٍ لِمَشْكُوكٍ فِيهِ؛ (كَمَا لَوْ ادَّعَى) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَفَاءً) لِلْمُوَكِّلِ، (وَ) ادَّعَى (غَيْبَةً بَيِّنَةً) الَّتِي أُقْبِضَ بِحُضُورِهَا؛ (فَلَا يُؤَخَّرُ) الْمُدَّعِي (لِحُضُورِهَا)؛ أَيْ: الْبَيِّنَةِ.

.(فَرْعٌ): [شراءُ العبدِ نفسَه لموكله بِإِذْنِهِ]:

(لَوْ قَالَ عَبْدٌ: اشْتَرَيْت نَفْسِي لِزَيْدٍ مُوَكِّلِي بِإِذْنِ سَيِّدِي، وَصَدَّقَاهُ)؛ أَيْ: زَيْدٌ وَسَيِّدُهُ؛ (صَحَّ) الشِّرَاءُ، (وَلَزِمَ زَيْدًا الثَّمَنُ) الَّذِي وَقَّعَ بِهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْبَيْعِ. (وَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ: مَا اشْتَرَيْت نَفْسَك إلَّا لِنَفْسِك)، فَقَالَ الْعَبْدُ: بَلْ اشْتَرَيْت نَفْسِي لِزَيْدٍ، فَكَذَّبَهُ زَيْدٌ؛ (عَتَقَ) الْعَبْدُ؛ لِإِقْرَارِ السَّيِّدِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يَعْتِقُ بِهِ الْعَبْدَ، (وَلَزِمَهُ)؛ أَيْ: الْعَبْدَ (الثَّمَنُ) فِي ذِمَّتِهِ لِلسَّيِّدِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يَعْتِقُ بِهِ الْعَبْدَ، (وَلَزِمَهُ)؛ [أَيْ: الْعَبْدَ (الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ لِلسَّيِّدِ]؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْعَقْدِ لَهُ)، (وَإِنْ كَذَّبَهُ زَيْدٌ فَقَطْ)، أَيْ: دُونَ السَّيِّدِ (نَظَرْت، فَإِنْ كَذَّبَهُ زَيْدٌ فِي الْوَكَالَةِ حَلَفَ) زَيْدٌ أَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ، (وَبَرِئَ) مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَكَالَةِ، وَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْجَاعُ عَبْدِهِ؛ لِتَعَذُّرِ ثَمَنِهِ، (وَإِنْ اعْتَرَفَ) زَيْدٌ (بِهَا)؛ أَيْ: الْوَكَالَةِ، (وَكَذَّبَهُ)؛ أَيْ: كَذَّبَ الْعَبْدَ فِي الشِّرَاءِ لَهُ؛ بِأَنْ قَالَ لِلْعَبْدِ: (إنَّك لَمْ تَشْتَرِ نَفْسَك لِي)، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتهَا لِغَيْرِي؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ الْعَبْدِ)؛ لِثُبُوتِ وَكَالَتِهِ عَنْ زَيْدٍ بِاعْتِرَافِهِ، (وَلِقَبُولِ قَوْلِ الْوَكِيلِ فِي التَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ).

.(فَصْلٌ): [تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي كُلِّ حَقٍّ آدَمِيٍّ مُتَعَلِّقٍ بِمَالٍ]:

(وَتَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي كُلِّ حَقٍّ آدَمِيٍّ) مُتَعَلِّقٍ بِمَالٍ، أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ (مِنْ عَقْدٍ) مُتَعَلِّقٍ بِالْمَالِ؛ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِجَارَةٍ، أَوْ مُتَعَلِّقٍ بِمَا يَجْرِي مَجْرَى الْمَالِ؛ كَعَقْدِ النِّكَاحِ (وَفَسْخٍ) لِنَحْوِ بَيْعٍ (وَطَلَاقٍ)؛ لِأَنَّ مَا جَازَ التَّوْكِيلُ فِي عَقْدِهِ جَازَ فِي حَلِّهِ بِطَرِيقِ أَوْلَى (وَرَجْعَةٍ)؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ حَيْثُ مُلِكَ بِهِ إنْشَاءُ النِّكَاحِ؛ مُلِكَ بِهِ تَجْدِيدُهُ بِالرَّجْعَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ (إنْ وَكَّلَهَا)؛ أَيْ: زَوْجَتَهُ (فِي رَجْعَةِ نَفْسِهَا أَوْ) رَجْعَةِ (غَيْرِهَا) مِنْ مُطَلَّقَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفِ فِي إيجَابِ نِكَاحِ نَفْسِهَا ابْتِدَاءً، فَمُنِعَتْ مِنْ التَّوْكِيلِ فِي الرَّجْعَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِاسْتِمْرَارِ النِّكَاحِ دَوَامًا؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ اسْتَظْهَرَ الْخَلْوَتِيُّ مُعَلِّلًا لَهَا بِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صِيغَةٍ مِنْهُ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ مُسْلِمٌ (كَافِرًا فِي رَجْعَةِ) زَوْجَةٍ (مُسْلِمَةٍ)، وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلٌ فِي شَيْءٍ إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ.
(وَ) تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي (تَمَلُّكٍ مُبَاحٍ) مِنْ صَيْدٍ وَحَشِيشٍ؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكُ مَالٍ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِيهِ؛ كَالِاتِّهَابِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَمْ يَنْوِهِ)؛ أَيْ: الْمُبَاحَ (الْوَكِيلُ)؛ أَيْ: حَالَ التَّمَلُّكِ (لِنَفْسِهِ)؛ أَيْ: الْوَكِيلِ، فَإِنْ نَوَاهُ لِنَفْسِهِ انْفَسَخَتْ الْوَكَالَةُ، يُؤَيِّدُهُ إذَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ شَرِكَةَ أَبْدَانٍ كَفِي احْتِشَاشٍ، ثُمَّ نَوَى أَحَدُهُمَا أَنْ مَا اكْتَسَبَهُ لِنَفْسِهِ دُونَ شَرِيكِهِ انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ [(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) إنْ نَوَاهُ لِمُوَكِّلِهِ (يَمْلِكُهُ)؛ أَيْ:] الْمُبَاحَ (مُوَكِّلٌ بِمُجَرَّدِ تَحْصِيلٍ). وَهُوَ مُتَّجِهُ. (وَتَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي صُلْحٍ)؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَالٍ؛ أَشْبَهَ الْبَيْعَ. (وَإِقْرَارٍ)؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَلْزَمُ بِهِ الْمُوَكِّلَ مَالٌ، أَشْبَهَ الضَّمَانَ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ: وَكَّلْتُك فِي الْإِقْرَارِ، فَلَوْ قَالَ: أَقَرَّ عَنِّي؛ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَكَالَةً. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. وَيَصِحُّ فِي تَفْسِيرِهِ بِالْمَجْهُولِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: وَكَّلْتُك فِي الْإِقْرَارِ لِزَيْدٍ بِمَالٍ أَوْ بِشَيْءٍ، وَيَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ. نَقَلَهُ الْمَجْدُ فِي الْهِدَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ. (وَلَيْسَ تَوْكِيلُهُ فِيهِ)؛ أَيْ: الْإِقْرَارِ (بِإِقْرَارٍ)؛ كَتَوْكِيلِهِ فِي وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ؛ فَلَيْسَ بِوَصِيَّةٍ وَلَا هِبَةٍ.
(وَ) تَصِحُّ فِي (حَوَالَةٍ وَرَهْنٍ وَكَفَالَةٍ وَشَرِكَةٍ الْوَدِيعَةٍ وَجَعَالَةٍ وَقَرْضٍ وَمُسَاقَاةٍ وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَوَقْفٍ) وَقِسْمَةٍ وَحُكُومَةٍ، بِأَنْ يُوَكِّلَ الْقَاضِي مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
(وَ) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ أَيْضًا فِي (عِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ)؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَالِ، (وَلَوْ) كَانَ التَّوْكِيلُ فِي الْعِتْقِ وَالْإِبْرَاءِ (لِأَنْفُسِهِمَا إنْ عَيَّنَا) بِأَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لِرَقِيقِهِ: وَكَّلْتُك فِي أَنْ تَعْتِقَ نَفْسَك، أَوْ يَقُولَ رَبُّ الدَّيْنِ لِغَرِيمِهِ: وَكَّلْتُك فِي أَنْ تُبْرِئَ نَفْسَك. (فَلَوْ وَكَّلَ عَبْدَهُ فِي إعْتَاقِ عَبِيدِهِ)، لَمْ يَدْخُلْ. (أَوْ وَكَّلَ امْرَأَتُهُ فِي طَلَاقِ نِسَائِهِ)؛ لَمْ تَدْخُلْ. (أَوْ) وَكَّلَ (غَرِيمَهُ فِي إبْرَاءِ غُرَمَائِهِ)؛ لَمْ يَدْخُلْ. (أَوْ) قَالَ لِإِنْسَانٍ (تَصَدَّقَ بِهَذَا) الْمَالِ؛ (لَمْ يَدْخُلْ الْوَكِيلُ فِي ذَلِكَ)، فَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ عِتْقَ نَفْسِهِ، وَلَا الْمَرْأَةُ طَلَاقَ نَفْسِهَا، وَلَا الْغَرِيمُ إبْرَاءَ نَفْسِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ فِي التَّصَدُّقِ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ لِنَفْسِهِ (إلَّا بِالنَّصِّ) الصَّرِيحِ مِنْ الْمُوَكِّلِ. (وَتَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (فِي كُلِّ حَقٍّ لِلَّهِ) تَعَالَى (تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ إثْبَاتِ حَدٍّ وَاسْتِيفَائِهِ) مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَقَدْ وَكَّلَهُ فِي الْإِثْبَاتِ وَالِاسْتِيفَاءِ جَمِيعًا. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ الْوَكَالَةِ (مِنْ سَيِّدٍ)؛ أَيْ: أَنْ يُوَكِّلَ السَّيِّدُ إنْسَانًا فِي إثْبَاتِ حَدٍّ وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ، وَفِي اسْتِيفَائِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ لَهُ الْإِثْبَاتَ وَالِاسْتِيفَاءَ بِنَفْسِهِ فَنَائِبُهُ كَذَلِكَ.
(وَ) يَتَّجِهُ صِحَّتُهَا مِنْ حَاكِمٍ فِي إثْبَاتِ حَدٍّ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ حَيْثُ مَنَعَ جَوَازَ الْوَكَالَةِ فِي الْإِثْبَاتِ، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُوَكِّلَ فِي اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ، فَرَجَمُوهُ، وَوَكَّلَ عُثْمَانُ عَلِيًّا فِي إقَامَةِ حَدِّ الشُّرْبِ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَوَكَّلَ عَلِيٌّ الْحَسَنَ فِي ذَلِكَ فَأَبَى الْحَسَنُ، فَوَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، فَأَقَامَهُ، وَعَلِيٌّ يَعُدُّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُمْكِنُهُ تَوَلِّي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ) مِنْ الْوَكِيلِ (اسْتِيفَاءُ) مَا وُكِّلَ فِيهِ (بِحَضْرَةِ مُوَكِّلٍ وَغِيبَتِهِ)؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّ مَا جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ؛ جَازَ فِي غِيبَتِهِ؛ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (حَتَّى فِي اسْتِيفَاءِ حَدِّ قَذْفٍ وَقَوَدٍ).
(وَ) تَصِحُّ الْوَكَالَةُ (فِي عِبَادَةٍ) تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ؛ (كَتَفْرِقَةِ صَدَقَةٍ وَ) تَفْرِقَةِ (نَذْرٍ وَ) تَفْرِقَةِ (زَكَاةٍ)؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ وَتَفْرِيقِهَا، وَقَالَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ أَطَاعُوك بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَتَفْرِقَةِ (كَفَّارَةٍ)؛ لِأَنَّهُ كَتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ. (وَتَصِحُّ) وَكَالَةٌ فِي إخْرَاجِ زَكَاةٍ (بِقَوْلِهِ)؛ أَيْ: الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ: (أَخْرِجْ زَكَاةَ مَالِي) مِنْ مَالِك، (أَوْ أَخْرِجْ كَفَّارَتِي مِنْ مَالِك)؛ لِأَنَّهُ اقْتِرَاضٌ مِنْ مَالِ وَكِيلِهِ، وَتَوْكِيلٌ لَهُ فِي إخْرَاجِهِ.
(وَ) تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي (فِعْلِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ)، فَيَسْتَنِيبُ مَنْ يَفْعَلُهُمَا عَنْهُ مُطْلَقًا فِي النَّقْلِ وَمَعَ الْعَجْزِ فِي الْفَرْضِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحَجِّ، (وَتَدْخُلُ رَكْعَتَا طَوَافٍ تَبَعًا) لِلطَّوَافِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَكَذَا) يَدْخُلُ فِي الْوَكَالَةِ (صَوْمُ) الْوَكِيلِ عَنْ مُوَكِّلٍ (الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) السَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إذَا كَانَ مُتَمَتِّعًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَحَيْثُ صَحَّتْ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْعَشَرَةِ قَبْلَ الْعَوْدِ إنْ كَانَ وَكِيلًا عَنْ حَيٍّ عَاجِزٍ عَنْ الصَّوْمِ. وَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي عِبَادَةٍ (بَدَنِيَّةٍ مَحْضَةٍ) لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ؛ (كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ)؛ لِتَعَلُّقِهِمَا بِبَدَنِ مَنْ هُمَا عَلَيْهِ، وَالصَّوْمُ الْمَنْذُورُ يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ أَدَاءً لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. (وَلَيْسَ فِعْلُهُ)؛ أَيْ: الصَّوْمِ (عَنْ مَيِّتٍ بِوَكَالَةٍ)؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَسْتَنِيبُ الْوَلِيَّ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ الشَّرْعُ بِهِ إبْرَاءً لِذِمَّةِ الْمَيِّتِ. (وَطَهَارَةٍ مِنْ حَدَثٍ وَاعْتِكَافٍ) وَغُسْلِ جُمُعَةٍ وَتَجْدِيدِ وُضُوءٍ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَيْهِ لِأَمْرٍ يَخْتَصُّ الْمُعْتَكِفُ بِهِ، وَهُوَ لُبْثُ ذَاتِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، وَتَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي تَطْهِيرِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ؛ وَيَسْتَنِيبُ مَنْ يَصُبُّ لَهُ الْمَاءَ، وَيَغْسِلُ لَهُ أَعْضَاءَهُ. وَتَقَدَّمَ. (وَلَا) تَصِحُّ الْوَكَالَةُ (فِي ظِهَارٍ)؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُنْكَرٌ وَزُورٌ، أَشْبَهَ بَقِيَّةَ الْمَعَاصِي (وَ) لَا فِي (لِعَانٍ وَإِيلَاءٍ وَنَذْرٍ وَقَسَامَةٍ) لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْحَالِفِ وَالنَّاذِرِ، فَلَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، كَبَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، (وَ) لَا فِي (قَسَمٍ لِزَوْجَاتٍ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ، وَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، (وَ) لَا فِي (شَهَادَةٍ)؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الشَّاهِدِ؛ لِكَوْنِهَا خَبَرًا عَمَّا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ؛ وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَعْنَى فِي نَائِبِهِ، فَإِنْ اسْتَنَابَ فِيهَا؛ كَانَ النَّائِبُ شَاهِدًا عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي مَا سَمِعَهُ مِنْ شَاهِدِ الْأَصْلِ، وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ، (وَلَا فِي الْتِقَاطٍ)؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ الِائْتِمَانُ، وَالْمُلْتَقِطُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْآمِرِ، (وَلَا فِي اغْتِنَامٍ)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْحُضُورِ، فَلَا يَمْلِكُ غَائِبٌ الْمُطَالَبَةَ بِهِ؛ (وَ) لَا فِي (جِزْيَةٍ)؛ لِفَوَاتِ الصِّغَارِ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ، (وَ) لَا فِي (مَعْصِيَةٍ) مِنْ زِنًا وَغَيْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، (وَ) لَا فِي (رَضَاعٍ)؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمُرْضَعَةِ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا يُنْبِتُ لَحْمَ الرَّضِيعِ وَيُنْشِزُ عَظْمَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُقُوقَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِيهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّ، وَنَوْعٌ لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِيهِ مُطْلَقًا؛ كَالصَّلَاةِ وَالظِّهَارِ، وَنَوْعٌ تَصِحُّ فِيهِ مَعَ الْعَجْزِ دُونَ الْقُدْرَةِ كَحَجِّ فَرْضٍ وَعُمْرَتِهِ.